عباد الله، اعلموا أن المتأملَ لحالنِا نحنُ المسلمين اليوم. وحالِ زماننا وما ظهر فيه الآفاتِ والفتنِ، وما حصل فيه من انفتاحٍ كبيرٍ على الدنيا وزُخرُفها حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها، أو مخلدون فيها.
إن المتأملَ لذلك ليشعرُ بالرهبةِ والإشفاقِ والخوفِ الشديدِ من مظاهرِ وعواقبِ هذه الحال. إذ قد قست منا القلوب، وتحجرت العيون، وهُجرَ كتابِ علامِ الغيوب. بل قُرأ والقلوبُ لاهيةٌ ساهيةٌ في لُججِ الدنيا وفي أوديتُها سابحةٌ. كيف لا وقد زينا غير متبعين جدرانَ بيوتنا بآياتِ القرآن، ثم لم نزين حياتَنا بالعمل بالقرآن. يقرأه البعضُ غير مقتدينَ على الأموات، ثم لا يحكمونه في الأحياء. بل جُعلت البركةُ في مجردِ حملهِ وتلاوته. وتُركت بركتُه الحقيقيةُ المتمثلة في إتباعه وتحكيمه امتثالاً لقولِ الله تعالى: (وهذا كتابُ أنزلناه مباركاً فأتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون).
غفلنا ولم نشعر أننا غفلنا وهذه لعمرُ اللهِ أدهى وأمرُ فينا. كثُر القلق وغلبَ الهمُ والحزن، وصاحبَ ذلك الأرق. مكرَ مكر شديد بالليلِ والنهار بأساليبَ ووسائلَ خبيثة ماكرةٌ تزينُ الفاحشة وتصدُ عن الآخرةِ. فشت الفواحشُ والمظالم، ونيلَ من الأعراض، وأُكلتُ الأموال. وظهرت صورُ صارخةِ من الحسد والبغضاء والفرقةِ والخلاف، حتى بين خبراءِ الفضلِ والإحسان. وعندها أستُضعِفَ المسلمون، وتبجحَ وتسلطَ الملحدون والمجرمون. عندها عُطلت طاقاتُنا الإيمانية،
وكيفَ يعيشُ في البستان غرس…….إذا ما عُطلت عنه السواقيَ
هبت رياحُ المعصيةِ فأطفأت شموعَ الخشيةِ من قلوبِنا. وطال علينا الأمدُ فعلى القلوبَ قسوةً، كما قست قلوبُ أهلِ الكتاب فهيَ كالحجارةِ أو أشدُ قسوة.
أسأنا فهم الدينِ الذي هو سرُ تميُزَنا وبقاؤنا فشُغِلنا بالشكلِ عن الجوهر، وبالقالبِ عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، حالُنا كالذي يقبلُ يدَ والدهِ ولا يسمعُ نصحه، إن هذا لهو البلاء المبين. وإننا نخشى أن نصبحَ في زمرةِ من قال اللهُ فيهم: ( الذين اتخذوا دينَهم لهواً ولعبا، وغرتُهم الحياةُ الدنيا) وأسوءُ ما تمرُ به أمةُ وأتعسُ ما تمرُ به أمة أن يصبحَ اللهوُ فيها دينا، والدينُ فيها لهواً ثم لا تسمعُ نصحا: