إذا ما اكتظت الهموم في القلوب ، و رحت تبحث عن وسيلة تلقي بها هموم قلبك المثخن بالجراح و المثقل بالأحزان ربما كانت هذه الراحة في دمعة حارة تسيل من عينيك التي اجتمعت بها ظلمة الهموم.
و لأن الدمعة علاج للهموم ، و الهموم مرض عضال ، فلربما كان العلاج ثمنه غال لا يستطيع أن يصل إليه كل أحد ، و لربما عظم المصاب حتى تتحجر معه المدامع في المآقي ، و لعل هذا مرض أعظم و أخطر من الهموم المتراكمة في القلب.
على حد قول القائل :
فــزعت الى الدمـوع فلم تجـبني وفقد الدمع عند الحـزن داء
و مـا قـصـرت في حزن ولكــن إذا عظم الأسى فقد البكــاء
و ربما منعتك رجولتك ( أحيانا ) من الدموع ، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى قطرة تنفس فيها عن متاهات قلبك الشارد ، كما قيل:
نحن الرجال وإن أبدى الزمان لنا ناباً ! من الهول نلقى الهول بالقاني
و لا نريق دموع الضعف يمنعنا حياؤنا و مقال العاذل الشـــاني
و لكن ... ألا تدري أن شجعان الرجال كانوا يبكون شجاعة و مروءة وكرما لا ضعفاً.
تلفت في كل ناحية.
تجد الصديق الذي يبكي صديقاً له وقد فرقت بينهم المسافات.
وتجد حبيبا يبكي حبيبه الذي أدخل في ظلمات القبور الموحشة غير موسد ولا ممهد..
ولربما جربت دمعة بينك وبين نفسك مخافة لله، إعلاناً للتوبة بين يديه وانطراحاً ببابه رجاء عفوه وخوف حسابه، ومحبة له وشكراً على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
فهو الذي إن ابتلى من جهة عافى من جهات، وإن منع من وجه أعطى من وجوه.
تبكي لحلمه عليك وقد كنت قائماً على الذنب وهو قادر على أن يأخذك أخذ عزيز مقتدر، ومع ذلك أمهلك لترجع إليه.
ولما تبت فتح لك أبواب التوبة والرجوع والمآب إليه.
فما أجمل هذه الدمعة، ويا لذتها من دمعة.
ولذا كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
ولربما سالت منك دمعة منك لجفاء صديق، أو لبعد قريب أو لظلم ظالم، أو لفقد عزيز، فهل هذا ضعف؟ بل هو منتهى الرجولة حين تعبر عن مشاعرك وأنت لست جباناً.
وإذا كنت تريد أن تعرف منتهى الضعف ... فانظر إذا أصابك هم و أردت أن تذرف دمعة و لم تستطع فستعرف أن الضعف ليس بالبكاء ، بل أن الضعف يكمن في أنك أردت أن تذرف دمعة وعجزت عن ذلك.
منقول للشيخ العجمى.