لماذا بكى الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم
روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم في ساعةٍ ما كان يأتيه فيها متغيّر اللون، فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: (( مالي أراك متغير اللون )) فقال : يا محمد جئتُكَ في
الساعة التي أمر الله بمنافخ النار أن تنفخ فيها، ولا ينبغي لمن يعلم أن
جهنم حق، و أن النار حق، وأن عذاب القبر حق، وأن عذاب الله أكبر أنْ تقرّ
عينه حتى يأمنها
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يا جبريل صِف لي جهنم ))
قال : نعم ، إن الله تعالى لمّا خلق جهنم أوقد عليها ألف سنة فاحْمَرّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فابْيَضّت، ثم أوقد عليها ألف سنة فاسْوَدّت، فهي سوداء مُظلمة لا ينطفئ لهبها ولا جمرها .
و الذي بعثك بالحق، لو أن خُرْم إبرة فُتِحَ منها لاحترق أهل الدنيا عن آخرهم من حرّها ..
و الذي بعثك بالحق، لو أن ثوباً من أثواب أهل النار عَلِقَ بين السماء و الأرض، لمات جميع أهل الأرض من نَتَنِهَا و حرّها عن آخرهم لما يجدون من حرها..
و الذي بعثك بالحق نبياً ، لو أن ذراعاً من السلسلة التي ذكرها الله تعالى في كتابه وُضِع على جبلٍ لَذابَ حتى يبلُغ الأرض السابعة ..
و الذي بعثك بالحق نبياً ، لو أنّ رجلاً بالمغرب يُعَذّب لاحترق الذي بالمشرق من شدة عذابها ..
حرّها شديد ، و قعرها بعيد ، و حليها حديد ، و شرابها الحميم و الصديد ، و ثيابها مقطعات النيران ، لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ من الرجال والنساء ..
فقال صلى الله عليه وسلم : (( أهي كأبوابنا هذه ؟ ! ))
قال : لا ، ولكنها مفتوحة، بعضها أسفل من بعض، من باب إلى باب مسيرة سبعين سنة، كل باب منها أشد حراً من الذي يليه سبعين ضعفاً ، يُساق أعداء الله إليها فإذا انتهوا إلى بابها استقبلتهم الزبانية بالأغلال و السلاسل ، فتسلك السلسلة في فمه وتخرج من دُبُرِه ، و تُغَلّ يده اليسرى إلى عنقه ، و تُدخَل يده اليمنى في فؤاده، و تُنزَع من بين كتفيه ، و تُشدّ بالسلاسل، و يُقرّن كل آدمي مع شيطان في سلسلة ، ويُسحَبُ على وجهه ، وتضربه الملائكة بمقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها .
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : (( مَنْ سكّان هذه الأبواب ؟ ! ))
فقال : أما الباب الأسفل ففيه المنافقون، ومَن كفر مِن أصحاب المائدة، وآل فرعون ، و اسمها الهاوية ... و الباب الثاني فيه المشركون و اسمه الجحيم ... و الباب الثالث فيه الصابئون و اسمه سَقَر ... و الباب الرابع فيه ابليس و من تَبِعَهُ ، و المجوس ، و اسمه لَظَى ... و الباب الخامس فيه اليهود و اسمه الحُطَمَة ... و الباب السادس فيه النصارى و اسمه العزيز ، ثم أمسكَ جبريلُ حياءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال له عليه السلام : (( ألا تخبرني من سكان الباب السابع ؟ ))
فقال : فيه أهل الكبائر من أمتك الذين ماتوا و لم يتوبوا .
فخَرّ النبي صلى الله عليه وسلم مغشيّاً عليه، فوضع جبريل رأسه على حِجْرِه حتى أفاق، فلما أفاق قال عليه الصلاة و السلام: (( يا جبريل عَظُمَتْ مصيبتي ، و اشتدّ حزني ، أَوَ يدخل أحدٌ من أمتي النار ؟؟؟ ))
قال : نعم ، أهل الكبائر من أمتك .
ثم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و بكى جبريل … و دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله و احتجب عن الناس ، فكان لا يخرج إلا إلى الصلاة يصلي و يدخل و لا يكلم أحداً، يأخذ في الصلاة يبكي و يتضرّع إلى الله تعالى .
فلما كان اليوم الثالث ، أقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى وقف بالباب و قال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى باكياً…
فأقبل عمر رضي الله عنه فوقف بالباب و قال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى رسول الله من سبيل ؟ فلم يُجبه أحد فتنحّى يبكي…
فأقبل سلمان الفارسي حتى وقف بالباب و قال : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، هل إلى مولاي رسول الله من سبيل ؟ فأقبل يبكي مرة ، و يقع مرة ، ويقوم أخرى حتى أتى بيت فاطمة و وقف بالباب ثم قال : السلام عليك يا ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و كان علي رضي الله عنه غائباً ، فقال : يا ابنة رسول الله ، إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قد احتجب عن الناس فليس يخرج إلا إلى الصلاة فلا يكلم أحداً و لا يأذن لأحدٍ في الدخول… فاشتملت فاطمة بعباءة قطوانية و أقبلت حتى وقفت على باب رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سلّمت و قالت : يا رسول الله أنا فاطمة ، و رسول الله ساجدٌ يبكي ، فرفع رأسه و قال : (( ما بال قرة عيني فاطمة حُجِبَت عني ؟ افتحوا لها الباب )) ففتح لها الباب فدخلت ، فلما نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بكت بكاءً شديداً لما رأت من حاله مُصفرّاً متغيراً قد ذاب لحم وجهه من البكاء و
الحزن ، فقالت : يا رسول الله ما الذي نزل عليك ؟ !
فقال : (( يا فاطمة جاءني جبريل و وصف لي أبواب جهنم ، و أخبرني أن في أعلى بابها أهل الكبائر من أمتي ، فذلك الذي أبكاني و أحزنني ))
قالت : يا رسول الله كيف يدخلونها ؟ !
قال : (( بلى تسوقهم الملائكة إلى النار ، و لا تَسْوَدّ وجوههم ، و لا تَزْرَقّ أعينهم ، و لا يُخْتَم على أفواههم ، و لا يقرّنون مع الشياطين ، و لا يوضع عليهم السلاسل و الأغلال ))
قالت : يا رسول الله كيف تقودهم الملائكة ؟ !